تذكروا.. مؤسس علم المصريات .....

بمناسبة احتفالنا بمئوية المتحف المصري وتكريم الشخصيات التي خدمت اقدم واكبر متاحف الآثار المصرية في العالم، وعلي رأسهم اوجست ماريت.. صاحب فكرة انشاء المتحف وجوستاف ماسبيرو، أول مدير للمتحف، فإن واجبنا ان نتذكر جان فرانسوا شامبوليون.. وهو الرجل الذي ازاح ستار الصمت والظلام عن اعظم حضارة في الكون امتدت لخمسة وثلاثين قرنا من عمر الزمن علي ضفاف نهر النيل.. ويعرف الجميع انه عندما تمكن شامبوليون من كشف ألغاز الكتابة الهيروغليفية وحل شفرتها، وكذلك المنظومة المركبة التي تقوم عليها استخدامات الحروف الهيروغليفية.. بدأت تتكلم لأول مرة في التاريخ جميع الصروح والمعابد المصرية القديمة والبرديات المنتشرة في كل انحاء العالم.
كان ذلك في يوم 22 سبتمبر عام 1822 عندما استطاع الشاب شامبوليون فك رموز وطلاسم حجر رشيد الذي نقشت عليه نصوص مكتوبة بثلاثة انواع من الحروف: الهيروغليفية والديموطيقية والاغريقية.
وفور هذا الاكتشاف.. اخذت كل قطعة اثرية مصرية تبوح بما كانت تخفيه لأكثر من الف وسبعمائة عام.. وتروي لنا وللعالم مآثر واسرار ومعجزات المصري القديم. وعرف شامبوليون كيف يجمع ومضات النور التي كانت تظهر وتختفي خلال الليل الطويل.. ثم عرف كيف يجمع شملها لتصبح كشفا مدويا يحدث هزة في العالم.
لقد تخطي بوابة الزمن الضخمة، وعبر في قفزة واحدة القرون الغامضة ليجد نفسه وسط الضوء الساطع.
هكذا صنع شامبوليون.. ذاكرة للتاريخ، وفتح امام العلم دنيا ظلت لقرون عديدة غارقة في الظلمة.. والعالم عاجز عن اكتشافها.. وتم التواصل بين العصور القديمة والحديثة في التاريخ المصري.
ويمكن القول بأنه بفضل شامبوليون تمت 'انارة' مصر، وتأسس علم جديد هو 'علم المصريات'.
صحيح ان مصر، الصامتة العظيمة، ظلت حية علي الدوام. وكان صمتها يسحر الالباب بامتدادها الزمني واسرارها المقدسة ولكن شامبوليون اكتشف نجوم ذلك الليل الذي كان يبدو بلا نهاية.. فانقشعت الظلمة فإذا بشامبوليون يقرأ مصر.. ككتاب مفتوح.
ويقول 'جون جاردنر ويلكنسون' شيخ علماء المصريات، انه لا يمكن انكار ان دراسة الآثار واللغة المصرية مدينة بما هي عليه الآن لأعمال وجهود شامبوليون.
ولم يكن بوسع انسان ان يتوصل الي قراءة الكتابة المصرية التي بدأت مع بداية التاريخ الحضاري الذي يرجع الي قرنين قبل الالفية الثالثة التي تسبق ميلاد المسيح.. إلا اذا كان مفتونا بمصر الي اقصي حد.. ويريد ان يتعرف بدقة علي معالم تلك الحضارة العظمي غير المسبوقة التي انتهت في عام 384 بعد الميلاد، عندما اصدر الامبراطور تيودور الروماني مرسوم اغلاق المعابد المصرية 'الوثنية' لكي تدخل مصر مرحلة الانحطاط. كتب شامبوليون قبل 'الاكتشاف' يقول:
اني اشعر مقدما بالسعادة لأني سأضع امام اعينكم مصر القديمة كلها علي التوالي: الديانة والتاريخ والفنون والصناعات والعادات والتقاليد.
ولم يكف يوما عن التأكيد علي اسبقية الحضارة المصرية علي الحضارات الاخري.. وعلي الدور التأسيسي لمصر الحضارة والفن.
وكتب شامبوليون في احدي رسائله يقول: لسنا في اوروبا سوي اقزام.. ولا يوجد شعب قديم او حديث تخيل العمارة علي نحو يشبه هذه العظمة والاتساع والتسامي مثلما فعل المصريون القدماء.. ان الخيال في اوروبا يتوقف فجأة ليسقط عاجزا امام المائة والاربعين عمودا داخل القاعة الكبري في الكرنك.
وقبل الاكتشاف الذي حققه شامبوليون.. كانت آثار مصر الخالدة هدفا للنهب والتدمير. وجاء وقت كان الاوروبيون يتفاخرون بالمجموعات الاثرية المصرية التي انتزعوها من مصر للاحتفاظ بها في بيوتهم، كما كان يجري تفكيك المعابد واستخدام احجارها في تشييد المصانع!.
وفي الفترة بين عامي 1810 و1830 أصبحت مصر مسرحا لصراع شرس بين 'جامعي التحف' الذين اندفعوا نحو الآثار، مثلما فعل الباحثون عن الذهب في كندا. وانقض المغامرون كالجوارح علي الكنوز الاثرية كوسيلة لجمع ثروات طائلة. وشارك قناصل الدول الاجنبية في اقتناص 'الغنائم المصرية'.
وعندما علم شامبوليون انه تم بالفعل تدمير اربعة عشر معبدا من اجمل المعابد المصرية واكملها.. كتب مذكرة لمحمد علي باشا يشكو فيها من هذه العمليات التخريبية البربرية الجارية ضد الصروح والمباني الاثرية والتي سبقتها عملية نهب منظمة للمواقع والآثار الفرعونية. وقال في مذكرته: انها مصلحة عليا لمصر نفسها ان تحافظ علي المباني والآثار التي تتعرض للتدمير يوميا لحساب تجار الآثار وبدافع الجشع الاعمي.
وكان محمد علي يصرح بالسرقات في ميدان الآثار! ولذلك اخذ شامبوليون يطالب 'الباشا محمد علي' بأن يتعهد بعدم انتزاع شيء من الآثار بعد ذلك ولأي سبب.
ورغم ان شامبوليون لم يحجم هو نفسه، عن انتزاع قطع اثرية لكي 'يثري بها' القاعات المصرية الاربع في متحف اللوفر، التي كانت تحت ادارته واشرافه.. إلا انه من الواضح انه تصرف علي اساس ان وضع هذه القطع الاثرية في 'اللوفر' أفضل بكثير من تركها للسرقة والنهب في موطنها!.
كان هدف شامبوليون هو 'جمع المستندات القيمة التي لا تحصي ولا تعد، والتي سجلتها العظمة المصرية القديمة علي المباني لأنها شواهد حضارة عريقة وهي آثار لا يوجد شيء في الوجود يمكنه تعويض خسارتها.
وقد حقق شامبوليون امل حياته كلها بزيارة مصر.. ارض العجائب ومهد الحضارة لكي يبحث في آثارها عن ذكريات التاريخ البشري الاولي وعن اسماء عظماء طواها النسيان، ولكي يجري حوارا مع الاجداد داخل مقابرهم.
لم يكن متحمسا للسفر الي الشرق، ولكنه يستدرك في رسالة الي شقيقه قائلا: 'إلا مصر فهي في نظره مصدر اغراءات قوية تجعلني اتحدي الصعاب.. انها مصر'!.. ثم 'خمسة وثلاثون قرنا! ما هي الحضارة التي يمكن ان تدعي لنفسها مثل هذه الاستمرارية'؟.
وكان شعب الالهة في انتظاره من ممفيس الي ابوسنبل.. وفي طيبة يحتفل شامبوليون بزواجه الابدي مع محبوبته: مصر.
وقرأت اوروبا كلها رسائل من عمق آلاف السنين ومن الارض الاسطورية مصر.
وهكذا نصب شامبوليون نفسه رائدا لأوجست ماريت وجوستاف ماسبيرو.
وبمناسبة مرور 212 سنة علي مولد جان فرانسوا شامبوليون ومرور 170 سنة علي رحيله.. فإن تقييم جهوده الخارقة والعبقرية في الكشف عن الحضارة المصرية.. يتطلب التكريم والتقدير والامتنان لمساهمته التاريخية الكبري بمناسبة مئوية المتحف المصري.
وشكرا للكاتب الفرنسي جان لاكوتير علي كتابه عن شامبوليون الذي ترجمه نبيل سعد بطريقة ممتازة للمجلس الاعلي للثقافة والذي اعتمدت عليه كمرجع لهذا المقال.

شكرا علي الموضوع

مشكوررررررررررررر

thanks 4 your topic

مشكوررررررررررررررررر

شكرا علي الموضوع